الجمعة 8 صفر 1442 هـ

الموافق 25 سبتمبر 2020 م

الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، الفعَّال لما يُريد نحمده سبحانه ونشكرُه وعدَ الشاكرين بالمزيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الإخلاص والتوحيد، ونشهد أن نبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الأنبياء وأشرفُ العبيد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابِه البرَرة الأخيار ذوي القول السديد والنهج الرشيد والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد وسلَّم التسليمَ الكثيرَ المزيد.

أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوَى الله، اتقوا الله رحمَكم الله، وتأمَّلوا في الأحوال، وانظروا في العواقِب، فالسعيد من لازَم الطّاعةَ، وجدَّ في المحاسبة، ورفع أكُفَّ الضراعة، والعاجِزُ مَن ركِب سفينة التّسويف والتفريطِ والإضاعة، فالزَموا التقوَى والعملَ الصالح، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: إن الإيمان بقضاء الله وقدره، ركنٌ من أركان الإيمان الستة، فقد صح أن  رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئِلَ عن الإيمان قال: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)، فالله جل جلاله قدَّر مقاديرَ الخلائق وأرزاقَهم وآجالَهم، وابتلاهم بالحسنات والسيئات، فتنٌ في السراء، ومحنٌ في الضراء، فهذا آدمُ عليه السلام خلَقَه اللهُ بيده، ونفَخ فيه من روحه، وأسجَد له ملائكتَه، ثم ابتلاه اللهُ بأكل الشجرة، فأخرَجَه من الجنة، ثم قال الله سبحانه في حق ذريته من بعده: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) فكم يا عباد الله في الشدائد والمحن، مِنَ الْمِنَح والعطايا، وهذه حقيقةٌ لا يُوقِن بها، إلا مَن رضي بالله حقَّ الرضا، وأحسَن الظنَّ به، وصَدَقَ في التوكل عليه، وفوَّض الأمرَ إليه، وكان على يقين وثقة بوعده، أنه سبحانه لا يريد بعباده إلا الخيرَ والصلاحَ، والفوزَ والفَلَاحَ، فقد تُوَافِيه المضرة من جانب المسرة، والمسرة من جانب المضرة: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)… أيها المؤمنون: كم يكون في الحرمان من عطاء، وكم يكون في الابتلاء من منح، وكم يكون في الظلمة من معرفة لقدر النور. لو لم يكن في المحن إلا التذكير بالرجوع إلى المولى الرحيم، والخالق العظيم، وإحسان الظن به والوقوف بين يديه والالتجاء إليه في خضوع وذلة وانطراح صادق يقطع العبد العلائق إلا مع الله ويتجاوز المعوقات ويصدق في دعائه وخضوعه ورجائه ويسأل ربه أن يبدل الله العسر يسراً والكرب فرجاً والضيق مخرجاً وصدق الله إذ يقول: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ فالغافل يتذكر والشارد يتدبر والجاحد يتبصر والمؤمن الصادق يتفكر فيدفعه ذلك للعمل بجد وإخلاص وصبر.. سَأَلَ رَجُلٌ الإِمَامَ جَعْفَرَ الصَّادِقَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَن اللهِ. فَقَالَ له: أَلَمْ تَرْكَبِ البَحْرَ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَهَلْ حَدَثَ لَكَ مَرَّةً أَنْ هَاجَتْ بِكُمُ الرِّيحُ عَاصِفَةً؟قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَانْقَطَعَ أَمَلُكَ من المَلَّاحِينَ وَوَسَائِلِ النَّجَاةِ؟قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ خَطَرَ في بَالِكَ وانْقَدَحَ في نَفْسِكَ أَنَّ هُنَاكَ مَن يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَكَ إِنْ شَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَذَلِكَ هُوَ اللهُ. فالزم طاعته وأكثر من عبادته واصدق في لجؤوك إليه) ومِصْدَاقُ هذا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورَاً﴾.

عباد الله: ومِن فوائد المحَن: أنها تؤدِّي إلى مراجعة النفس، ومعرفة مسارها، ومِن أين أُتيت، فيصحِّح الإنسانُ مسارَه، ويُقاوِم عيوبَه؛ فيصبح شخصاً آخر يقرُّ بالحق، ولا يُعاند بالباطل، فيقرُّ بخطئه، ويَعترف بذنبه، ويتوب إلى ربه وإن هذا المثل ( ولله المثل الأعلى) كمثَل رجلٍ عنده ولدٌ، فهو يحبُّه لكنه يجده يخطئ ويتنكَّب الطريق، ومازال يتنكَّب حتى يخشى عليه مِن العثرات؛ فهو مِن فرط حبِّه له، وإشفاقه عليه، يقسُو عليه أحياناً، ويُلزمه بأمور شديدة حتى يصنع منه رجلًا…

قسَا لِيزدجِروا ومَن يكُ حازماً

فلْيَقْسُ أحياناً على مَن يَرْحَم

أيها الأخوة والأخوات في الله:وفي المحن تكفير وتطهير من الخطايا والذنوب فيصبح العبد وقد محى الله عنه ما علق به من الذنوب والآثام، يقول صلى الله عليه وسلم:(مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)… وفي المحن رفعة للدرجات، ومحو للسيئات، ولذا كان النصيب الأوفر منها للأنبياء،  يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (أَشَدُّ الناس بَلَاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى المرء عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ  فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) ولذا كان نصيب المؤمنين من البلاء عظيماً وذلك تأهيلاً لهم ليكونوا في الآخرة من الفائزين، فهو تكفير لسيئاتنا وخطايانا التي اقترفناها بأسماعنا وأبصارنا وألسنتنا، وسائر جوارحنا، وهذا من رحمة الله بنا أن يجعل له العقوبة على معاصينا في دنيانا، قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ).. ولقد عَادَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرِيضاً مِنْ وَعْكٍ كَانَ بِهِ يعني حمى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ النَّارِ فِي الآخِرَةِ)

وفي المحن مراجعة، للنفس ومحاسبة لها يتدبر العبد موقفه ويسترجع ما فيه ويبصر تفريطه وتقصيره ويقف على أخطائه فيجاهد نفسه على الارتقاء إلى الإيمان والاستقامة، والابتعاد عن الأخطاء وإنصاف أصحاب الحقوق قبل أن يكون القصاص من الحسنات.

عباد الله: إنَّ ما يجري على العالَم اليومَ، هو في ظاهره شرٌّ وبلاءٌ، ولكِنْ عسى اللهُ أن يجعل فيه خيراً كثيراً، فكلُّ ذلك بعِلْم الله وحكمته، وقضائه وقَدَرِه، والله عند حُسْن ظنِّ عبدِه به؛ فالرحيم لا يقدِّر لعباده إلا الخيرَ، فلا يجزعُ العبدُ مِنْ قدَر اللهِ، ولا ييأس من رحمته، ولعل هذا المكروه يكون سبباً لنعمة لا تُنال إلا به، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

أيها المؤمنون بالله ورسوله: إن في قول الرب جل وعلا: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيرًا) دعوةً للتسليم لأمر الله، وعلاجاً للقلق والتشاؤم، وسبباً لحصول السَّكِينة والطمأنينة، وليست دعوةً لبثِّ الوهنِ وتركِ العمل، أو ذريعةً للخمول والكسل، فحينَ نتحدَّث عن البلاء والمحن والرضا بقضاء الله وقدره، وتفويض الأمور إليه، فلا يُفضِي ذلك إلى العجز والتواكل، وتَرْك الأخذ بالأسباب والتخاذل، بل يكون العملُ بكل ما في الوسع والطاقة، والاجتهاد على قَدْر الاستطاعة، مِنْ فعلِ الأسبابِ التي سخَّرَها اللهُ، ومدافَعة أقدار الله بأقداره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ)، ولنعلَمْ -أيها المؤمنون- أن الافتقار إلى الله تعالى، سبيلٌ لمرضاته ومَعِيَّتِه، وبابٌ عظيمٌ من أبواب الفرج ورفع البلاء، وكَشْف الضراء، فقوةُ الإنسان وعِزُّه في ضَعْفه وانكساره لربِّه، ففي يوم بَدْر، أظهَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم شدةَ افتقاره إلى ربه، وحاجتَه إلى خالقه، ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الجماعة مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ)، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّاً يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فالتَزَمَه من ورائه وقال: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ ونصره.

وأمَّا يومَ حُنَيْن، فكادت تنزل الهزيمةُ بالصحابة رضي الله عنهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينَهم، حين ظنَّت بعضُ النفوس، أن نصرَها في كثرتها وقوتها وعتادها، حتى قال قائِلُهم: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ، فَابْتُلُوا بِهذه الكَلِمة، وعاتَبَهم ربُّهم على إعجابهم بكثرتهم، وبيَّن لهم أن النصر من عنده جلَّ جلالُه: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) قال ابن تيمية رحمه الله: (والعبد كلَّما كان أَذَلَّ لله، وأعظمَ افتقاراً إليه، وخضوعاً له كان أقربَ إليه، وأعزَّ له، وأعظمَ لقَدْرِه). فحريٌّ بنا هذه الأيامَ، أن نُظهِر افتقارَنا لربنا، ونتقرَّب له بصالح أعمالنا، وأن نُكثِر من صنائع المعروف، فصنائعُ المعروف، ممَّا يَكشِف اللهُ بها البلاءَ، ويرفع بها الوباءَ، ويغفِر بها الذنوبَ، ويستر بها العيوبَ، ويفرِّج اللهُ بها الهمومَ والغمومَ،  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيّاً تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي العُمُر، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ، وَأَهْلُ المُنْكَرِ في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة)

وصنائعُ المعروفِ كثيرةٌ، وحوائجُ الناس متنوعةٌ: إطعامُ جائع، كفالة يتيم، سعي على أرملة، إعانة محتاج أو عاجز، إنظارُ معسر، عفوٌ عن إساءة، سعيٌ في شفاعة، كسوة عارٍ، وتعليم جاهل، فإن كنتَ لا تملكُ هذا ولا ذاك، فادفع بكلمة طيبة، فالكلمة الطيبة صدقة، وإلا فليسَعْك بيتُكَ، وكُفَّ أذاكَ عن الناس، فإنها صدقةٌ منكَ على نفسكَ.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)

اللهم إنَّا نسألك في هذا اليوم المبارك، بأنْ تكشف عنَّا وعَن العالمين الضُّر، وأنْ تقيَنا كلَّ مكروهٍ وشرّ وأن تحفظ علينا بلادنا وأمنَنَا وسَلَامتنا وأن ترزقنا طمأنينةَ الصِّلة بك، وأن ترُدَّنا إليك ردًّاً جميلًا إنَّك على كل شيء قدير.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله ذي التوفيق والعطاء، والجُود والسخاء، يُثِيب مَنْ صَبَرَ على الفتن والبلاء، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ذو الفضل والكرم والندى، ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المجتبى، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأزواجه،  وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم اللقاء.

أمَّا بعدُ فيا أيها المسلمون: لقد حفظ الإسلامُ الإنسانَ، قلباً وجسداً ونفساً، وأسرةً ومجتمعاً ووطناً، فأوجَب حفظَ الضرورياتِ الخمسِ، ومنها حفظُ النفس، فجزى الله خيراً ولاة أمرنا جلالة الملك حمد بن عيسى ورئيس وزرائه وولي عهده وحكومته الموقرة، إذ جعلوا صحةَ الإنسان وكرامتَه، في مقدمة الأولويات لا فرقَ في ذلك بين مُواطِن ومُقِيم… ألا وإن من أعظم الأعمال، وأزكاها وأحبِّها إلى الله تبارك وتعالى، ما يقوم به فريق البحرين الوطني والطبي، بقيادة سمو ولي العهد حفظه الله ومن معه من مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها، ورجال الجيش بقوة دفاع البحرين، والحرس الوطني ورجال الأمن العام والدفاع المدني بوزارة الداخلية، والقائمين على المجلس الأعلى للصحة ووزارة الصحة والكوادر والطواقم الطبية والتمريضية والإسعافية والإدارية المخلصة، العسكرية منها والمدنية، التي وقفت وتقف بكل شجاعة واقتدار وصمود، في الصفوف الأمامية في مواجهة جائحة الكورونا، في المستشفيات والمختبرات ومراكز العزل والحجر والعلاج وفي المنافذ، وما يقدمونه من كفاءة وجاهزية عالية، ومسؤولية وطنية مشهودة، ومعانٍ سامية للمواطنة الصالحة والمخلصة، والتضحيات الجليلة في تقديم الخدمات العلاجية والوقائية والحملات التوعوية والإرشادية لحماية الوطن والمواطن والمقيم، لينعم المجتمع بالصحة والسلامة والعافية والاستقرار والأمان..

فيا أيها العاملون بفريق البحرين الوطني والطبي ويا أيها المتطوعون الخيرون، ويا أيها المتطوعون في التجارب السريرية للقاح كورونا لخدمة البلاد والعباد والإنسانية، كم يرفع الله بكم من وباء وسقم، ويزيل بكم من ضر وألم، فهنيئاً لكم بشرى النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) فعَمَلُكم هذا مما تنال به محبةُ الله، والقربُ منه ورضاه، وكفى به شرفًاً وفضلًا؛ لِمَا فيه من الإحسان، والله تعالى يقول: (إِنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ويقول سبحانه: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) هنيئاً لكم ما تقومون به من عمل جليل، فقد جمعتُم بين تكليف وتشريف، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. فلكم منا كل الشكر والتقدير والامتنان، ولكم منَّا خالص الدعاء، بأن يبارك اللهُ في أعمالكم، وفي جهودكم، ويجزيكم خير الجزاء ويحفظكم من بين أيديكم ومن خلفكم إنه سميع مجيب الدعاء.

ولا يفوتنا خصوصاً في هذه الأيام، أن ندعو الجميع من المواطنين والمقيمين بأن يشعروا بالمسئولية نحو وطنهم، ويلتزموا بالإجراءات الاحترازية والإرشادات الصحية، التي تصدر من الجهات المختصة  حتى نتجاوز التحديات التي تمر بها بلادنا البحرين نظراً لتهاون بعض الفئات غير الملتزمة هداهم الله، والتي كانت سبباً مباشراً في ازدياد الإصابات بالفيروس خلال الفترة الأخيرة وحتى تتحقق   الأهداف التي وضعها الفريق الوطني الطبي للتصدي لفيروس كورونا والساعية لحفظ صحة وسلامة الجميع.. نسأل الله تعالى أن يحفظنا جميعاً بحفظه وأن يكلأنا برعايته وعنايته، وأن يبارك لنا في صحتنا وأهلنا وأولادنا وذرياتنا، وأن يرفع عنا وعن بلادنا وعن المسلمين وعن العالم بأسره البلاء والوباء، وينزل رحمته ولطفه على العالمين، برحمته وفضله ومغفرته عاجلاً غير آجل  إنه على كل شيء قدير. اللهم أحفظنا من الأوبئة وسيء الأسقام والأمراض، ومُنَ بالشفاءِ والعافيةِ على المصابين به، وارحم المتوفين بسببه، وارزقنا الأمن والأمان والراحة والاطمئنان، برحمتك يا أرحم الراحمين. لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنْا مِنَ الظَّالِمِينَ. اللهمَّ إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ في دِيننا ودُنيانا ووالدينا وأهلِنا وأولادنا  ومالِنا وولاةِ أمورِنا وذوي الحُقُوقِ علينا، اللهمَّ استُرْ عوراتنا وآمِنْ رُوعَاتِنا وأحفَظنا من بينِ أيديِنا ومن خلفِنا وعن أيمانِنا وعن شمائِلنا ومن فوقِنا ونعوذُ بعظمتِك أن نُغْتَالَ من تحتِنا يا ذا الجَلالِ والإكرام. اللهم أجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وأظله بظل الإسلام والإيمان وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة، وألف بين قلوبنا رعاة ورعية وأحفظه علينا وطناً وملكاً وحكومة وشعباً وأهد الجميع للتي هي أقوم.. اللهم أكتب الصحة والعافية والشفاء العاجل لسمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان ورده إلى وطنه سالماً معافى ياذ الجلال والإكرام.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً وارفع البلاء عنهم.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وأطلق قيده، وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا، ولِلمُسلمين والمُسلمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين